Thursday, October 22, 2015


أصوات البلدة القديمة

بين زاويا البلدة القديمة في القدس يتفاعل التاريخ مع الحاضر بلغة المدينة نفسها، منذ أن أصبحت ملاذاً لكل الباحثين عن الطمأنينة، حيث يصعد فيها كلام الله بكل لغاته إلى أعلى وينزل، ليكون للمدينة نفسها موسيقاها التي تليق بها.

ولأن البلدة القديمة في القدس لا تزال رغم سعيها الدائم إلى أن تنام ليلة واحدة من دون غضب، وفي الوقت الذي تندفع فيه وحوش الموت نحوها، تظل بعض الآمال محيطة بها كأنها تحمي المدينة من النسيان، حيث فيها من المؤسسات والأندية ما يجعلها قائمة دائماً رغم السقوط المستمر لكل ما هو حولها، ولذلك يعتبر معهد المانيفيكات لتعليم الموسيقى إحدى هذه المؤسسات العاملة في البلدة القديمة، التي بدأت رحلتها الفنية والإبداعية منطلقة للتغيير وطرح الحياة بشكل نابض في زواريب البلدة القديمة، من خلال الموسيقى.

تأسس المعهد في العام 1995  على يد حراسة الأراضي المقدسة، ليكون أول معهد موسيقي في فلسطين يعلم الموسيقى الكنسية، إضافة إلى الموسيقى الغربية بشكل عام، مستهدفاً أهالي البلدة القديمة، والمناطق المحيطة بها أيضاً، بأسلوب بدا منذ البداية أنه كامل الجدية والأكاديمية العالية، حيث وقّع المانيفيكات أولى اتفاقيات العمل مع معهد أ. بدروللو في فيتشنزا في إيطاليا، حيث تطور عمل المانيفيكات بشكل مباشر وعملي بالانتقال إلى مستوى أعلى من العمل والأداء، حيث أدخلت مناهج أكاديمية فتحت المجال بشكل أكبر للإتقان والجودة الموسيقية.

واستمراراً لنهج التطور والانفتاح العالمي، اعتمد المانيفيكات كفرع لمعهد أ. بدروللو، حيث وصلت بعض الآلات الموسيقية لدرجة البكالوريوس والماجستير، ليكون أول إصدار رسمي من معهد إيطالي معترف به في مجال الموسيقى في فلسطين، لينضم للمعهد اليوم أكثر من 200 طالب وطالبة برفقة 22 أكاديمياً، يعملون في المعهد.

ولقد عمل المانيفيكات منذ تأسيسه على توفير فرص تعليمية في المجال الموسيقي للأطفال والشباب في البلدة القديمة في القدس، حيث أصبح المعهد مكاناً يعيد الحياة للمدينة، من خلال زيادة آفاق المعرفة الموسيقية بمجالاتها التاريخية والنظرية كافة، والعزف والغناء والعروض أيضاً، إلى جانب ما ذكر سابقاً حول رفع مستوى البرامج الأكاديمية لتصل إلى مستويات عالمية معترف بها.  ولقد عزم المعهد على تأهيل الطلبة بشكل يسمح لهم بالتفاعل فنياً على المستويين المحلي والعالمي، ما يقدم أعلى مستويات الأداء الموسيقي.

ولعل وجود معهد كهذا في البلدة القديمة في القدس، صنع حالة اجتماعية لها صدى فني ثقافي عبر تشجيع أهل البلدة القديمة على الانخراط في المناسبات الاجتماعية والدينية، من خلال تقديم عروض فنية في المناسبات الدينية، إلى جانب المناسبات التي ينظمها المعهد، وإشراك المجتمع المحلي في العمل الفني والأدائي، حيث ينظم المعهد مسابقة البيانو الوطنية، ومهرجان المصباح السحري، ومسابقة الوتريات، إلى جانب جوقة الياسمين التابعة للمعهد، وجوقة المانيفيكات التي تقدم عروضها في مناطق مختلفة من فلسطين؛ مثل أريحا، وبيت لحم.

ولقد أنتج المعهد العديد من المنشورات والأسطوانات الموسيقية المختلفة والمتنوعة؛ سواء تلك التي آلفها مجموعة من أساتذة المعهد، أو تلك التي كتبت خصيصاً على يد مؤسس المعهد الأب أرماندو بيروتشي، الذي بدأ رحلة المعهد مع السيدة هانية سوداح صبارة.

لا يزال معهد المانيفيكات يعمل بشكل مستمر إلى جانب مجموعة من المؤسسات الفنية في فلسطين، من خلال شبكة الفنون الأدائية الفلسطينية، لتعزيز دور الفنون الأدائية في التطور الإنساني، ودور الثقافة في التحرر من أشكال الاضطهاد الإنساني كافة، لتكون أصوات البلدة القديمة زاخرة بالحياة.


شبكة الفنون الأدائية الفلسطينية

No comments:

Post a Comment

Note: Only a member of this blog may post a comment.